-->

لا تبديل لكلمات الله

 لا مبدل لكلماته

لا تبديل لكلمات الله

البعض يقول نقرأ في القرءان أن الله تعالى يقول: لا مبدل لكلمات الله، ويقول لا تبديل لكلمات، ويقول ما يبدل القول لدي، ثم في آيات أخرى نسمعه سبحانه وتعالى يقول: وإذا بدلنا آية مكان آية، أو يقول ما ننسخ من آية أو ننسها، وكل تلك الآيات التي قد نرى جميعنا التناقض الظاهر فيها!

في الحقيقة أن المشكلة هي في اعتقاد الناس أن كلام الله هو صنف واحد، ويقصرونه في الحقيقة على نوع واحد فقط، بينما الله لا يقتصر على نوع واحد، فهناك كلام الله الذي هو القرءان، وهناك كلام الله الذي يتمثل في قوله كن فيكون، وهناك كلام الله المتمثل في ما وعد به عبادة، وهناك كلام الله المراد به علم الله الواسع الذي لا نحصيه بكل مداد الدنيا وأمثالها ولو من البحار.

ونحن جميعنا نسمع قوله تعالى: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله!! فهل القرءان يحتاج لكل تلك المواد حتى يكتب؟ أم أنه يكتب بأقل وأيسر من ذلك؟ بل أيسر من ذلك بكثير جدا، ولذا يظهر لنا أن المراد من كلام الله هنا ليس القرءان وحسب، بل كلمات الله هنا هي العلم الواسع الذي لا يحيطه بشر ولا يسعه مجلداتنا ولو كان كل ما في الأرض من شجر أقلام، وكل ما في البحار ومثله معه سبع أمثال  مداد ما وسع هذا لكلمات الله ولا أحاط به.

أنواع الكلام وأحكامه

لكل صنف من تلك الأنواع من الكلام حكم ومقياس مستقل عن غيره، فأول تلك الأنواع مثلا نذكره هو وعد الله لعباده المؤمنين، فهو من الأمور الثابتة المستقرة التي لا يتم تبديلها، فنسمع قول الله فيهم: إلا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فهذا وعد من الله ثابت لا يبدل فيه القول ولا يظلم ربك العبيد.

ومثال ذلك أيضا قوله تعالى: ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، ونسمع بعدها قوله في نفس الموقف ولا مبدل لكلمات الله!! فهم ينتظروا ذلك ولو استهزاء سيحصب معهم في الختام.

ومثال ذلك أيضا قوله تعالى: ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأذوا حتى أتاهم نصرنا، ولا مبدل لكلمات الله!! فسيأتي بعد التكذيب والإيذاء النصر لا محالة.

لذا فالآيات التي تتعلق بالأمور الثابتة مما ذكرنا كقوله تعالى: لا مبدل لا كلمات الله، ولا تبديل لكلمات الله، ولن تجد لسنة الله تحويلا، ولن تجد لسنة الله تبديلا، كل ذلك عن قواعد العيش والدنيا والآخرة، وقواعد النصر والعاقبة، قواعد أن المكر السيء يحيق بأهله وكل ذلك.


النوع الثاني وهو كلام الله الذي كتب في المصحف، فهذا كلام خاص بالبشر وإصلاحهم، والبشر كما نعلم أنه متطور، فتمنع عنه في الثالثة ما تبيحه له في العاشرة، وتمنع عنه في العاشرة ما تبيحه له في العشرين، فهل أنت إن منعت عنه شيء ما في سن وأبحته له في أخرى يعد ذلك خطأ منك، لا بل مثال ذلك أن الطفل في سن الثالثة إن رأيته يضع فيشة الكهرباء في الكبس اسرعت إليه ومنعته، بينما في سن العاشرة أنت من تقول له خذ هذه الفيشة وضعها في الكبس! فما تفعله أنت هو مناسب لما يحدث مع طفلك من تطور وتبدل وتغير في طاقته وعقله وقدرته.

أمثلة توضيحية عن معاني الآيات

وبالمثل نرى الله سبحانه وتعالى في بادئ الأمر يخبر النبي والمسلمين إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين، وإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا ألفا من الذين كفروا، ولكن هؤلاء إنما كانت بهم قوة وإيمان ولوجود النبي بينهم كان هذا هو الحكم المناسب لهم، فلو كان عدد الكفار مثل عدد المسلمين عشر مرات لم يكن للمسلمين الرجوع، بل عليهم المواصلة بهذا العدد.

ولكن بعلم الله ما سيأتي من ضعف في الزمن الذي يليهم قال تعالى لهم: الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين، الآية، فاختلف الحكم باختلاف البشر وقدراتهم وطاقتهم، فتغير من الثبات عند مواجهة مثلهم عشر مرات إلى وجوب الثبات إن بلغ عدد الكفار ضعف المسلمين، فلو زاد عن الضعف تغير الحكم وأمكن المسلمين من الرجوع، وهذا إلى العدد 12 ألفا فلن يغلب هذا العدد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم من قلة!! ولما تغير الحكم من الأول إلى الثاني لم يكن هذا إلا مناسبة لمقتضى الحال واختلاف القدرات من الفئة الأولى إلى الفئة الثانية التي هي أضعف منها!.

فلذا إن قال الله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها فهذا معناه أن يأتي الحكم الجديد مراعيا للظروف والأوضاع التي أصبحتم عليها فتصير خير لكم في واقعكم الذي تجدد الآن عن الواقع القديم.

ومثال ذلك آية الخمر والتدرج في تحريمها من أول تبيين أضرارها وتحديد اوقاتها حتى وصل الحكم في الختام إلى التحريم، وأيضا الربا الذي انتهج فيه أسلوب مشابه لتحريمه.

مناسبة الآيات لاوقات النزول والأحداث 

وكذلك توجد بعض الآيات التي تناسب البدايات، كآيات قيام الليل الأولى التي قال الله فيها يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا، والتي كان الليل فيها فريضة، وظل القيام سنة كاملة فرضا حتى اشتد عود الأمة ليأتي الآيات في آخر السورة ويعدد الأسباب الجديدة التي خففت عن الأمة من فرضية القيام حتى تحول إلى غير الفريضة!! فكل ذلك مناسبا لمراحل التطور والظروف والأوضاع المناسبة للأمة.

ولذا فكل الآيات التي يقال فيها ما ننسخ من آية أو ننسها، أو يقال فيها: وإذا بدلنا آية مكان آية، كلها من منطلق ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، الذي يعلم خلقه وما يناسبه في كل لحظة وكل حين، فكل ذلك من الأحكام الشرعية التي تناسب البشر يغيرها الله للبشر تبعا لما يناسبها.

بل وبنفس الصورة تعامل الله مع بني إسرائيل ومثال ذلك قوله تعالى: فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم، ولما أدى التحريم عمله وناسب مرحلة ما جاء النبي بعدها ليحل لهم ما كان قد حرم عليهم مراعاة للحال الجديدة.

فلا يمكن ان نقول لما نسخت الآية أو النسخ الحكم فكل ذلك نقبله بالسمع والطاعة، فكل حكم وآية تأتي مناسبة لمقتضى الحال وبشكل يراعي فيه وضع الأمة وظرفها التي هي فيه، بل يرى بعض العلماء أن الوضع لو عاد لوضع مناسب للحكم المنسوخ ان يتم العمل بالمنسوخ مكان الناسخ.