-->

الرد على شبهة الإنفاق والرزق

أهمية الانفاق في سبيل الله

الرد على شبهة الإنفاق والرزق

يقول البعض: إنكم أيها المسلمون تقولون في القرءان أن الله هو الغني، وأنه لا يريد من عباده الرزق له، قال وما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، وأن كل ما في السماء والأرض هو عطاء من الله رب العالمين، وأن آيات القرءان تمتلأ بما يعرفنا بأن الله هو الغني وأن العباد هم الفقراء، ومع ذلك الوضوح والاستقرار، إلا أن القرءان نفسه قد كلف المسلمين بأن يعطوا وينفقوا على الفقرا، فإذا كان الله غني عزيزا (وهو كذلك)، لما لم يقل بتحريم الإنفاق من الأغنياء على الفقراء فإن الله قد تكفل بذلك؟ فيا ترى هل يريد الله منا أن نرزق غيرنا ونكسوهم؟ أم أن الله لا يريد منا أرزاق نجريها؟ دلونا يرحمكم الله!.. وهذا ما سنرد لكم عليه في السطور التالية.

ضرورة الإنفاق لوظيفة الاستخلاف

نقول في الجواب: أن سبب هذا السؤال هو عدم العلم الكافي بالهدف من خلق البشر، وهو الذي تمثل في قوله تعالى: إني جاعل في الأرض خليفة، فكلنا يعلم أن الله تعالى أيضا قد قال: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ونعلم أن الملائكة تعبد والجن تعبد والإنسان يعبد، ومن أعظم وأهم صور العبادة والتي من أجله خلق الإنسان هو أن يكون خليفة عن الله في الأرض، أو أن يكون خلفاء على ما رزقهم الله، تلك العبادة التي لا يقوم بها ملك مقرب ولا جن مبعد، لا يقوم بها سوى الإنسان.

إذا علمت أن الإنفاق صورة من صور عبادة الاستخلاف في الأرض، وأن هناك تلازم بين الإنفاق والاستخلاف، فلو أنك طلبت من الله عز وجل أن ينزعها عن البشر، فكأنك تقول انك يا رب خلقتني خليفة ولكنك لم تكلفني بما هو مقتضى كوني خليفة في الأرض.

والله سبحانه وتعالى يقول، وآتوهم من مال الله الذي آتاكم، فالمال مال الله ونحن مستخلفون عليه، ولذا ننفق بالوحي والشرع الذي شرعه الله عز وجل.

وفي الحقيقة المسألة هنا لا تقتصر على الإنفاق والمال، بل إن لكل نعمة من نعم الله ضريبة ومقابل لتملك الإنسان لها، فمن كان عنده جاه فهو مكلف بأن يفيض به على من لا جاه له، كان يشفع شفاعة حسنة أو أن يقيم الحق أو ما شابه، والإنسان القوي مكلف بأن يجاهد ويقاتل في سبيل الله والدفاع عن الضعيف، وكذلك من كان لديه ركوبة فاضلة فليعد بها على من لا ركوبة له، فكل ذلك من صور الاستخلاف التي كلف بها الإنسان وهو ان ينفق من رزق الله ويفيض به على أخيه الإنسان.

ولذلك نجد أن الله تعالى ونقول تجاوزا قد حرش بين العبادة، قال تعالى: وجعلنا بعضكم لبعض فتنة، أي ابتلاء واختبار، فأصبح بهذه الصورة تكليف الإنسان بعبادة الله ليس بالصلاة والصوم والزكاة وما شابه وحسب، بل زيد على كل ذلك أن يعبد الله في عباده!

فهو سبحانه وتعالى قادر على أن يقول للبشر لا تنفقوا، ولكنه سبحانه وتعالى قد خلقهم من أجل هذا الاستخلاف، ولذا من رفض أن يطيعوا الله وأن يأمنوا رفض تباعا الإنفاق، وقالوا لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، فهم قرروا أن يحاصروا منهج الله في الإنفاق لأن الله عز وجل استخلفهم على هذه الأموال فأرادوا ان يحجزوها، ولذا لم يجعل الله البشر أحرار في الإنفاق، بل وضع مواصفات له، لا يستطيع أن يقتر ويبخل، ولا يستطيع أن يسرف، بل هو في قوام بين الإقتار والإسراف.

فطريقة توزيع الأرزاق هي خط سير للأموال وليس مصدرا لها، من أين جاء وإلى أين يذهب، والدليل على ذلك ان الله قد يحول الفقير غنيا والغني فقير بسبب الإنفاق وعدمه، ومثال ذلك قصة أصحاب الجنة في سورة القلم، وقصة أصحاب الكهف في سورة الكهف، الذين حول الله غناهم فقرا بسبب منعهم، ففيه دليل على أنهم كأغنياء ليس في يدهم أن يمنعوا الإنفاق.

تكليف الله للغني

الله تعالى لم يكلف الغني أن ينفق على الفقير من مال الغني، بل هو ينفق من مال الله الذي أتاه، وهي حركة مال تخدم وتكرث وتؤكد عبادة الاستخلاف، فلو لم يكن هناك موزع للأرزاق وآخذ منها لفسدت عبادة الاستخلاف ولما أصبح العباد بعضهم مكلف ببعض.

والدليل على كون الغني هو مسير لحركة الإنفاق وموزع فقط لمال الله الذي رزقه إياه هو ما ذكره الله تعالى في سورة الكهف أيضا في قصة الغلامين، فلو كان الغني هو من ينفق بذاته ومن ماله لكان في عجز الغني عجز تابع للفقير، فلو مات الغني مثلا لتبع ذلك هلاكا للفقير، ولكن سبحانه وتعالى بين لنا خلاف ذلك وأنه سبحانه وتعالى يهيئ للفقير الضعيف ما يحفظه ويقيه من الهلاك، وبيان ذلك من خلال تلك القصة، فهذا الأب الحويط علم أن القرية التي فيها هي قرية سوء، وأن أولاده ضعفاء على غير مقدرة من الحفاظ على هذا المال، جمع المال وبنى جدارا لحفظ المال تحته، ثم يقدر الله أن يرسل زلزالا يجعل الجدار على وشك السقوط ليثبت أن الرزق وحركة الاموال ليست من مقدرة الغني وأن الفقير لا يهلك بهلاك الغني، وفي الوقت ذاته أنقذا الفقير بتسخير طرفا ثالثا يسافر عبر البحار ليأتي لتلك القرية السيئة ويجد الجدار الذي على وشك السقوط فيقيمه ليحافظ على مال الغلامين اليتيمين، ولك أن تتخيل أن من تولى ذلك الأمر وسخر له هو الخضر عليه السلام ونبي الله موسى خير خلق الله بعد محمدا وإبراهيم صلى الله عليهم وسلم!

فالله سبحانه وتعالى حينما رزق الأولاد أمولا عن طريق الأب، لم تكن تلك أموال الأب، بل كان مال الله الذي أتاها للأب، فلما مات الأب وعجز وأصبح الأطفال عاجزين بموته أرسل الله من يحفظ الأموال لهم، لتعلم أنه استخلاف لموسى والخضر وأب الأولاد ليحفظ الأموال للفقراء الأطفال المستضعفين.

توهم حفظ المال بعدم الإنفاق

الرد على من يدعي إمكانية حفظ المال، وعلى تأمين المستقبل يتمثل في قوله تعالى: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾. فهو مع ما فعل ونمى من مال قد ذهب بقدرة الله في طرفة عين!

والتفاوت بين العباد قد خلقه الله مخصوصا لعبادة الاستخلاف تلك، وليس التفاوت في المال وحسب، بل هناك تفاوت في الذكاء والمهارات والقوة والصحة والعزوة بالأبناء وكل ذلك، فكل فئة تنفق مما رزقها الله على الفئة الأخرى، وكل فئة تتعبد الله في الفئة الأخرى.

بل إننا أحيانا قد نأتي على الفقير الذي له أولاد ومسكن بسيط ونريه أحد الأغنياء الذي يملك سيارة فخمة جدا، وبيت ومسكن في مكان راقي جدا، وأخبرنا الفقير أن هنالك صفقة ممتازة لتقوم بها، وهي أن تحصل على كل تلك السيارات والمساكن وتعطي هذا الرجل الغني أولادك فهو مسكين عقيم لا أولاد له، إن فعلنا ذلك لوجدنا الفقير هو أول المعترضين على تلك الصفقة على الرغم مما كان في عقله من احتياج وصور مرسومة عن الغني لم تتجاوز إلا وهم صوره لنفسه، ولذا فرفض الفقير لتلك المقايضة هي دليل على أن الله سبحانه وتعالى يصرف الأمر كيفما يشاء على الوجه الذي يناسب العباد.

حركة الأموال بين العباد

الآيات التي ظهرت في البداية كما لو كانت إشكالية ليست إشكالية بالمرة، فالله عز وجل يصرف حركة الأموال بهذه الصورة فتنة، فترى الفقير يتطلع لأن يصاحب غني كي يكون له واسطة مثلا، ولكن في نفس الوقت ترى الإسلام يغري الغني بالفقير، يجعله يبحث ويتفش عن الفقير حتى ينفق عليه الزكاة، وإن تأفف منه ترى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يقول هل تنصرون وترزقون إلا بضعفاءكم!، فترى الغني يبحث عن الفقير ليعطيه حتى يخلف الله عليه.