التوكل على الله
التوكل على الله
الناظر لأمور الحياة من
حوله، من متطلبات، مشاغل، التزامات ومهام، يرى أن الأمور تبلغ مبلغا صعبا جدا،
يكاد معها يحبط عن أن يسير في طريقه خطوة او خطوتين، وإنما يشعر الإنسان بذلك إن
كان الغالب في ظنه أنه سينجز كل تلك الأمور من مجرد الأخذ بالأسباب، ولكن ليس كذلك،
بل إن ما يعين الإنسان على أن يحيط بكل تلك المشاغل والأمور هو أن يركن إلى ركن
شديد، أن يركن إلى من بيده تدبير كل تلك الأمور وتيسيرها على الوجه الأمثل، ومن
كان دربه هو ان قوة النتائج يقتصر فقط على قوة الأسباب الموصلة إلى تلك النتائج،
لم يصل في ختام الأمر إلا إلى الإحباط والفشل.
الأسباب المعينة على التوكل
إن أكبر سبل النجاح قبل
الأخذ بالأسباب هو التوكل على الله، وبكل تأكيد من أعظم صور التوكل على الله هي
نفسها الأخذ بالأسباب، إلا أن الإنسان يأخذ بالأسباب وما يقدر عليه، ثم ما يكون من
قلبه إلا أن يكون متعلقا بالله تعلقا تاما راغبا وراجيا إياه في تحقيق المطلوب
وإنجازه.
ولا يمكن بأي حال من
الأحوال أن يظن المرء أن أقوى الناس هم أولئك الذين يملكون أقوى الأسباب المادية،
ولكن الحقيقة أن من سره أن يكون أقوى الناس فما عليه إلا أن يتوكل على الله، فإن
قوة النتائج لا تأتي من قوة الأسباب، إنما تأتي من قوة التوكل على الله وصدق القلب
في التعلق بالله والاعتماد عليه في مجابهة كل صعوبات الحياة.
كذلك من أعظم سبل تدفع
الإنسان للتوكل على الله هو الإيمان والهداية، فإن الإنسان الذي من الله عليه بأن
جعله من أهل الإسلام، وكذلك من جعله من أهل الصلاة والذكر والقرءان، كل هؤلاء كان
فعل الله بهم ومنه عليهم من أكبر أسباب توكلهم على الله، وما لنا ألا نتوكل على
الله وقد هدانا سبلنا، والتوكل على الله هو من مقاييس الإيمان ومن العوامل المبينة
مدى صدق القلب في إيمانه من خلال صدق توكله على ربه، فعلى الله توكلوا إن كنتم
مسلمين، وما لنا ألا نتوكل على الله وهو من به الكفاية، فكيف لا تمتلأ قلوبنا بهذه
المعاني ونحن يتلى علينا في مواضع عدة قوله تعالى: وكفى بالله وكيلا، فمن تيقن
بقلبه أن من بيده ملكوت كل شيء هو من يتولى أمره، ومن يتكفل بمعاملته وأموره، لسكن
واطمأن قلبه يقينا وحسن ظنا بربه، ويكيفنا أن نعي أنه سبحانه وتعالى هو القائل:
ومن يتوكل على الله فهو حسبه. فكيف تكون قوة الإنسان بين الورى والله حسبه!.
النجاة من الشيطان بالتوكل على الله
إننا إن نظرنا إلى ما
يقوم به الشيطان من أفعال وأعمال محاولا من خلالها أن يزيغ بالإنسان وينتشله من
سبل النجاة إلى سبل التخبط والضياع، من مر على تلك الآيات سيرى أن الشيطان حاضر
بشتى الفنون، ولا ينقطع عن محاولته اتخاذ المسالك المتنوعة مع الإنسان بهدف إضلاله،
والتي منها:
أنه يزل ويستزل ويوسوس
ويفتن ويهمز ويسول ويملي ويضل ويصد ويستهوي للحيرة والشك ويرمي خطواته في طريقنا
ليستدرجنا إلى الزلل والخطايا ويخوفنا من الفقر إن أنفقنا في سبيل الله وينسينا
أمر الله ونهيه عمدا وسهوا، والشواهد في القرءان كثيرة جدا لمن سعى وأراد أن يرى
ما للشيطان من سبل وحيل في إضلال الناس، ومن أدرك كل تلك الصور والحيل التي يسلكها
الشيطان لاصطياد الإنسان، ادرك مدى خطورته ومؤامراته المهلكة، والتي في كل الأحيان
تستلزم من الإنسان أن يبحث عن مناصر ومعين له في مواجهة كل تلك الحيل، ولقد جاء
العون والمدد من الله سبحانه وتعالى في آية من كتابه يقول الله سبحانه وتعالى
فيها: إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. يا الله ! كيف لا ندرك
لنا أن من سبل النجاة من سلطان الشيطان هو أن نركن إلى الله ونتوكل عليه سبحانه
وتعالى.
صور التوكل وحقيقته
وصور التوكل وحقيقته لا
تنفك عن مرتبتين، الأول أن يكون الإنسان في توكل عام لا ينفك عن المؤمن، فيكون
قلبه معلقا بالله في كل أموره، أو التوكل الخاص الذي يشمل الأمور المعينة، ويكون
ذلك بعد أن يعزم الإنسان على الأمر ويأخذ بالأسباب وهو التوكل المشهور الذي يشار
إليه في كثير من المواضع والآيات، وباختصار فتعريفه هو ان تنشغل الجوارح بالأسباب،
وينشغل القلب بالله.
وكيف برجل معلق قلبه بالله، متوكلا عليه، معتمدا عليه في كفايته في كل أموره أن يهاب أي شيء من هذه الدنيا! ويكفينا موقف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه حينما جمع لهم الناس، ما كان منهم إلا أن قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فما كان الجواب عليهم إلا أن انقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء.