-->

القرءان الكريم

القرآن الكريم

القرءان الكريم

من عرف القرءان والمصحف كما ينبغي فإنه يحبه، ويتعلق قلبك به، تريد دوما أن تقرأه، أن تطالع ما فيه، تشعر أن فيه راحتك وسعادتك، ومنه بصيرتك، وبه نجاتك في الدنيا والآخرة، تستشعر وأنت تقرأ القرءان أنك على اتصال حقيقي بالسماء، كما كان النبي يرى وجهه متقلبا في السماء حينما يهمه أمر مثل انقطاع الوحي، أو تقلب وجهه لإرادته تغير القبلة إلى الكعبة.

من أحب القرءان فإنه يكون مع القرءان مهتديا مفرغا عقله ونفسه له، تلا القرءان بحب، وإن كان الحب لله وللنبي وللقرءان هو في الأساس حب الاتباع، إلا أن هنالك حب العاطفة، أن تحب النبي لأنك تحب النبي، أن تحب القرءان كأنه حياتك وعيشتك التي تقر بها عينك أنه صديقك وشفيعك ونجاتك في الدنيا والآخرة، أن يكون القرءان لك نورا يوم القيامة، أن تأتي البقرة والعمران كغمامة تحاج عنك يوم القيامة، أن تحبه للدرجة التي تملكك السعادة وتعطيك إياها في الدنيا والأخرة.

التفاعل مع القرءان

إن من أعظم أدوية القرءان هو أن تتفاعل مع القرءان وتتجاوب معه، فإن مرت آية تقول لك قل فقل، وإن مرت آية تسأل فأجب، وإن مرت آية تأمر بفعل فافعل، وإن مرت آية تذكر أو تسبح فسبح واستغفر، وهكذا، تفاعل مع كل آية بما يناسبها ويتجاوب معها.

فإن فعلت وتجاوبت مع القرءان تشربت كل أعضاء القرءان تشربا، بداية من القلب الذي سيضخ القلب لكل باقي الأعضاء والمفاصل حتى لا يدع منهم شيئا، فتصبح دقات قلبك ونبضاتك حياة وحب بالقرءان، وكل ذلك يكون بحضور قلبك والتفاعل معه.

قال تعالى: الذين آتينهم الكتاب يتلونه حق تلاوته، أولئك يؤمنون به.

هداية القرءان

من عظم القرءان أنه عزيز لا يغالب، لا يمكن أن تنال ما فيه إلا بتدبره قراءته على تمهل، قال تعالى: وقرءان فرقناه لتقرأه على الناس على مكث، وقال تعالى: لا تحرك به لسانك لتعجل به، وقال تعالى: ولا تعجل بالقرءان من قبل أن يقضى إليك وحيه، وهذا من سبل الحصول على هداية القرءان ومداوة القرءان للقلب.

كما أن من سبل الحصول على هداية القرءان أن تقوم بإنشاء كراسة الأسرار والأحوال التي بينك وبين القرءان، تكتب فيها كل ما تناله من أسرار وعلاجات من القرءان، كل ما تتلقفه بذهنك وفكرك، تقف على الآية كذا وتقول لقد وجدت فيها كذا، لقد عالجت في كذا، لقد أزالت عني هم كذا، لقد هذه الآية في أمر كذا، ويكون هذا هو حالك مع القرءان.

اجعل القرءان إمامك أمامك، ففيه الهداية الحقيقية، وإن راودتك نفسك لفعل معصية من المعاصي فاهرع إليه واقرأ به على تمهل ومكث، وابحث عن الآية التي تناسب موضعك، اقرأ من الفاتحة حتى تصل إلى ما يناسبك ويناسب الحالة التي أنت عليها، وسيعطيك حل ما ألم بك من وساوس شيطان بالمعصية.

ويمكنك أن تسمع، واسمع وأنت تبحث عن الخشية لا عن النغم، ابحث عمن يقرأ القرءان وإن سمعته حسبته يخشى الله، ابحث عمن يجسد لك المعاني من مختلف الآيات، ابحث عمن يعيشك القرءان، فقد يكون حل مرضك في السماع أو القراءة أو المعايشة.

الفرح بالقرءان

إلى كل الباحثين عن السعادة، عليكم بالقرءان، ولا تغرك المظاهر والفرح الكاذب الذي تراه في مظاهر الكثير من البشر، هؤلاء الذين تظن أن سعداء بماديتهم ومالهم ومناصبهم، كثير جدا من هؤلاء والله إن اطلعت عليهم في خلواتهم لوجدت النكد والحزن والهم يكاد يقتلهم، فإن السعادة الحقيقة والله هي سعادة القلب وفرحه، ولا سبيل لذلك إلا بالقرءان وبما في القرءان. واقرأ إن شئت قوله تعالى: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة لقوم يؤمنون، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا، هو خير مما يجمعون. وهو دليل على أن سبيل هو الفرح هو بذلك الذي قد جاءنا من عند الله، بذلك القرءان، الذي هو خير من كل ما في الدنيا وما فيها.

فحامل هذا القرءان هو صاحب هذا الفرح والسعادة، وهو فرح بالحق مآله السعادة في الدنيا والآخرة، وهو فرح دائم لا ينقطع، هو فرح بالله ولله وللقرءان.

في القرءان مواعظ وشفاء لما في الصدور مما بها من علل وأمراض تفتك بالقلب وتصيبه بكل هم وغم ونكد وحزن، هو شفاء حقيقي لكل أمراض القلب، بل ولأمراض الأبدان.

القرءان يعلمك كيف تتكلم مع الله، كيف تبث له همومك، كيف تناجيه وتناديه وتتقرب منه وتحدثه عما يلم بك من هم وغم وحزن، يعلمك أن تحكي كل ما ألم بك وما أحزنك، حتى لو كان المستحيل، اطلب المستحيل من الله والله لا يعجزه شيء، فإنك والله ستتعجب من فضل الله وكرمه الواسع عليك حتى ترى أن المستحيل الذي طلبته من الله قد يتحقق، فالله يفعل ما يشاء، الله يفعل ما يشاء.

القرءان يخاطب أسرار النفوس

إن من عظمة هذا القرءان أنه يخاطب أسرار النفوس، قال تعالى: يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم، قل استهزأوا إن الله مخرج ما تحذرون.

فالله سبحانه وتعالى يحدثنا عما تتحدث به القلوب في كتابه وقرءانه، بل ويذكر حقيقة تلك القلوب، يكشف عن الحقيقة التي تتكلم بها القلوب، ويكشف كذب ما يقال باللسان وهو مخادع ومخالف لما في القلوب.

وهذا دليل على أن نظر الله سبحانه وتعالى هو فقط للقلوب.

وقد قال أحد الصالحين: إن أحب عمل تتقرب به إلى الله، أن يطلع الله على قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو.

فإن أعظم القضايا التي يجب أن تشغل قلب المسلم هو ان يعلم أن الله مطلع على قلبه، على ما في نفسه وما يريد.

وإن من أسباب زيادة علل القلوب وأمراضها هو الكذب، وعلاج هذا المرض هو الصدق مع الله، ألا تخادع ولا تكذب في صدق إقبالك على الله، فيشفي الله قلبك ويزيل مرضك ويجعلك مع الصادقين.

سماع القرءان

ومن عظمة القرءان هو تلاوته وسماعه، قال تعالى: وأمرت أن أكون من المسلمين، وأن أتلو القرءان.

والأصل في تلاوة القرءان وسماعه أن يهتدي من سمعه، فبعد ان قال: وأمرت ان أكون من المسلمين، قال: فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، وهذا هو الأصل، ثم ذكر صنفا آخرا وهم من أعرض ولم يؤمن، فقال: ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين.

بل والمعلوم عيانا ورود مواقف عدة من سماع المسلمين، بل وحتى الكفار للقرءان، فما من أحد يسمع القرءان إلا ويظهر على وجهه علامة التغير بما سمع، وإن السماع الحقيق، هو سماع القلوب، قال تعالى: ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون.

فسماع القلب للقرءان هو الذي يهديه ويخشعه، فالمطلوب أن تحضر القلوب وأن تتولى هي سماع القرءان حين تلاوته، لا أن تكون هذه هي مهمة الأذن وحسب، فالهداية تبدأ من سماع القلب للقرءان، ثم تنتشر تباعا لكل باقي جسد القرءان.

وإن من أهم السبل التي تعين القلب على سماع القرءان، هو أن يتجنب سماع ما يخالف القرءان، من شهوات وذنوب ومعاصي وغفلة، فإن طهر القلب من كل ذلك، تمكن من أن يسمع القرءان، وبالتالي يهتدي به، فإن كتاب الله هو كلام عزيز يتفرد ولا يختلط بغيره، فطهر قلبك وأنصت وأسمع حتى يسمع قلبك القرءان.

فإذا قرأت أو قرأ عليك القرءان فأحضر قلبك.

العمل بالقرءان

أنزل الله القرءان ليعمل به، ليحكم بين الناس، ليصلح القلوب والنفوس، فالقرءان هو الآيات التي تتلى علينا لتزكينا ويعلمنا الحكمة، بل هو من أكبر النعم وأعظمها أن يتلى عليك القرءان، القرءان هو الحياة الفعلية، هو ماء يسقى القلب، وهو السلاح الوارد في ذهاب الهم وجلاء الحزن وهو ربيع القلوب وشفاء الصدور، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضائك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك الكريم أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرءان العظيم ربيع قلبي وشفاء صدري وذهاب همي وجلاء همي وغمي حزني، قال النبي صلى الله عليه وسلم من قال هذا الدعاء أذهب الله حزنه وهمه وأبدله فرحا في قلبه، قالوا أنتعلمه يا رسول الله: قال صلى الله عليه وسلم ينبغي لكل من سمعه ان يتعلمه، فقد توسل النبي بما ترى من توسلات، وما قدم من مقدمات، كل ذلك من أجل أن يكون القرءان هو ربيع القلوب وساقيها ومحيها ونورها ومفرجها وشارحها ومبشرها، وأن يكون هو شفاء ما في هذه القلوب والصدور، وأن يكون هو سلاح المؤمن في مواجهة الأحزان والهموم وجلاءها وذهابها، ولا يفعل كل ذلك غير القرءان.

العمل بالقرءان حياة للقلوب وشفاء للصدور وذهاب للهموم والأحزان، وهو السعادة كل السعادة، فاللهم أعنا على ذلك.

عزة القرءان

إن القرءان عزيز، وإن من عزة القرءان أن الله سبحانه وتعالى هو من تكلم به، أنه تنزيل من عزيز حكيم، لو استشعرت أن ما تقرأه هو كلام تكلم به الله، لعلمت أن هذا القرءان وهذا الكلام هو في كتاب عزيز لا يغالب.

القرءان هو كلام الله، هو أحسن الحديث، من آمن بالله وخشاه حق الخشية كان في تفاعل دائم مع القرءان، كان في تفاعل بالخشية والخوف والبكاء، تفاعل بالخشوع والتدبر والفهم، تفاعل بالقلب والعين، اقشعرار بالجلد والجسد، أن يهتز القلب عند سماعه وقراءته، هل لك كل ذلك؟ هل تعي ذلك يا رعاك الله! افق وأنب لربك حتى يرضى عنك وييسر لك كل ذلك.

ومن عزة القرءان أن ليس كل أحد يناله، ليس كل أحد يتمكن من تدبره والتفاعل معه، هو فقط للذين آمنوا هدى وشفاء، والذين لا يؤمنون في آذنهم وقر وهو عليهم عمى، فليس كل أحد يمكن أن ينال من القرءان، فهو عزيز من لا يؤمن بالآخرة كان بينه وبين القرءان حجابا مستورا، من عزته أن من لا يستحقه كان على قلبه أكنة أن يفقهه هذا الكلام.

والسبيل لأن يحرك هذا القرءان قلبك هو أن تسمعه، وكيف تسمعه هو بمشيئة الله، فالله سبحانه وتعالى هو من يسمع من يشاء، والله سبحانه وتعالى لو علم فيك خيرا لأسمعك، فإذا رأى الله من قلبك خيرا أسمعك، وإذا أسمعك حصل كل الخير لك، وكان كل الخير لك وبك، فالقرءان كله خير وبركة، من عظمته أنه كله بركة.

أنواع تلاوة القرءان

مجالس القرءان وحلقاته كلها بركة، وهي رياض الجنة، وتحفها الملائكة.

هناك تلاوات لتحصيل الأجر، لكل من يقرأ القرءان حسنة لكل حرف، ولكل حرف حسنة، وهناك تلاوات تعلم، وهي أن تقرأ القرءان وتفهمه وتتعلم معناه من بحثك في التفاسير المعتبرة، وهناك تلاوات تدبر، والتدبر غير التفسير، وهو أن تتدبر الآية، وأن تفهم مراد الله منها، وأن يفتح الله عليك الفتوح الخاصة منها.

الأولى يمكن أن تختمها في الشهر أو الأسبوع أو نصف الأسبوع، ويمكن أن تقرأ قبل كل صلاة نصف قرءان وبعدها نصف جزء، ستختم القرءان مرة كل أسبوع، ولكن لا يفوتنك تلاوات التدبر والتعلم.