أهمية المنهجية في طلب العلم
أهمية المنهجية في طلب العلم
موجب الاهتمام بهذا العنوان هو ما نراه من فوضوية كبيرة منتشرة فيما
يتعلق بالعلم والمعرفة وبما يتعلق بالحديث باسم العلم، والتي من أسبابها هي كثرة
وسهولة وسائل تحصيل المعرفة.
وعلى الرغم من أن سهولة العلم هذه هي نعمة، بخلاف ما كنا نراه من صعوبات
بالغة كبيرة في الماضي، إلا أنه باب إشكال، أدى هذا الإشكال إلى بعض التحديات التي
يجب التنبه لها، وأيضا بجوار انفتاح وسهولة الوصول للمصادر، فقد ذاع صيت المنابر
كذلك.
سمات الفوضوية
- كثرة التنقل
بين الكتب والبرامج والمصادر دون إتمام أي خطة علمية
- عدم الوصول
إلى التمكن من أي مجال من مجالات العلم
- دوام الفتور
وسرعة الرخاء وخمود العزيمة وذاك بسبب سلكه لطريقة خاطئ لا يجني من خلفه ثمار
من ثمار العلم
- أن يزيده
العلم شبهات وشتات وأسئلة بلا حل
- الخفة وكثرة
التقلب الفكري مع كل موجة تجد تأتي في مختلف الفترات
- أن تسير خلف
بعض الأقوال الوهمية مثل ليس المهم لمن تقرأ أو ماذا تقرأ، المهم أن تقرأ،
فهذا وهم وهو من سبل الفوضى
مخاطر ترك المنهجية في طلب العلم
الوقوع في حالة وهم المعرفة، يتوهم أنه يعرف، وهي حالة تقود إلى التعالم
الذي هو قبيحة من قبائح الدنيا، فادعاء العلم مصيبة أكبر من الجهل، بل قد يقود إلى
حفرة من حفر النار ودليله: أن تقولوا على الله ما لا تعلمون، فمثلا لا تقول أنا
أحس أشعر أن هذا الرجل لا يجوز ما يفعله، هل تستند على علم؟ لا، لكن أنا أشعر
وأحس.
بجانب ضياع الزمان والأعمار والأوقات، من كتاب إلى كتاب دون أن ينهي
كتاب، من درس إلى درس دون أن ينهي برنامج معين، وتضيع الأعمار ولا تجنى الثمرات.
كما تؤدي تلك الفوضى إلى السقوط في الفجوات المعرفية، وهي نتيجة واضحة
للبناء غير المنهجي، فهو لا ينقطع ويكمل ويصل لدرجات عالية من المعرفة، لكنه لم
يبنى البناء بشكل صحيح ومرتب، بل قد يسقط على الرغم من علوه نظرا لفقدان أدوار في
منتصف البيت لم تبنى أصلا.
ويتبع كل ذلك الفتور وردة الفعل السلبية تجاه العلم والنفور منه، وكل ذلك
بسبب عدم الشعور بالثمرات.
كذلك ترك المنهجية في طلب العلم ينتج عنه سهولة التأثر بالشبهات
والإشكالات، إن لم يكن السقوط في أوحالها، وكل ذلك بسبب أن قراءته وتحصيله كان على
غير هدى.
والفهم الخاطئ للعلم، فهو لا يمتلك التفسير الصحيح الممنهج للعلم،
مع عدم احترام العلم وأهله، وعدم القدرة على تمييز مقامات العلم والتخصص،
لأنه قد قرأ من كل أحد ومن مصادر متنوعة، فلم يعد يقدر على التمييز بين مقامات
العلم وأهله وقيمتهم.
وإجمال كل تلك النقاط يتعاضد في زيادة حالة الضعف العام للأمة، فكيف
للامة أن تنهض وحالة العلم المنتشرة فيها هي حالة من الفوضوية؟
أسباب الفوضوية في طلب العلم
غياب الأهداف التي يعيش الإنسان من أجلها والتي ينظر من خلالها إلى
العلم، فهو لا يدري لماذا يقرأ؟ ما علاقة العلم والقراءة بحياتي؟ وعلاجه وضع
الأهداف والغايات التي يعيش الإنسان من أجلها، وإنما يقصد بالأهداف والغايات هنا
الأهداف الكبرى والمقاصد العليا للسمو بالنفس والروح والأمة.
وكذلك غياب معنى أن العلم وسيلة الغاية منه التعبد لله واستصلاح النفس
والغير، ففقدان هذا المعنى يزيد من سهولة التفكيك والفوضوية، وكل علم شرعي فطلب
الشارع له إنما يكون من حيث هو وسيلة للتعبد لله سبحانه وتعالى، ولذا قد استعاذ
النبي صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع، أي لا ينفع بزيادة إيمان وشرع وتعبد.
وأيضا غياب المنهجية، وعدم اتباع قواعد المنهجية في التعلم وسلك خطواته
مرتبة، مثل:
- البدء بصغار
العلم قبل كباره.
- التأني في
التنقل بين خطوات العلم وعدم استعجال ثمراته، بل يعطي لكل مرحلة قدرها.
- الإشراف
العلمي والاستشارات بالتوجيه والخبرات من ذوي الخبرة وأهل العلم، خصوصا من
يجمع مع علمه جانب من التربية، فغياب المربي والمشرف والقائد هو من أسباب
الفوضوية، وجانب التربية هام جدا، بل قد يتقدم على العلم.
- أن يضبط
القواعد الكلية ويفهم أصول العلوم ويضم الجزيئات إلى الكليات ويرد المتشابهات
إلى المحكمات، يعني أن يدخل إلى العلم وهو ينظر إلى الكتل الكبرى والقواعد
المؤسسة له، ثم أثناء البناء يفرق بين الجزء الذي يضم إلى الكل، والمتشابه
الذي يضم إلى المحكم، ومن المحكم الذي يحكم به المتشابه.
- أن يعتني طالب
العلم بالقواعد الكلية المنهجية الضابطة للعلوم، وألا يتعامل مع كل المعلومات
بنفس المستوى.
- أن يترك
الشواذ والأقوال الغريبة وأن يتمسك بالمشهور وما عليه إجماع والأصول المعروفة
فهي من أسباب المنهجية وغياب الفوضوية.
ومن تلك الأسباب أيضا ضعف العزيمة وعدم الاستمرار في الخطط العلمية
وإتمامها، مع تتبع الشواذ من أقوال العلم والإشكالات والشبهات مما يقود
الإنسان إلى الشتات والفوضوية
قواعد الاستقامة في المنهجية وتجنب الفوضوية
- مراعاة ما ذكر
في الفوضوية مما ذكر في خطوات المنهجية.
- تحديد الأهداف
والغايات التي يسعى الإنسان لتحقيقها في حياته بشكل عام، ومن العلم بشكل خاص.
- البدء
بالتأصيل وبناء القاعدة الأولى في كل فن من الفنون الشرعية الأساسية، ثم رفع
البناء على هذه القواعد، وإدراك مراحل البناء المختلفة.
- البصيرة في
اختيار الخطة العلمية والعزيمة على الثبات على تحقيقها وإتمام الخطة التي
بنيت على بصيرة، ويساعدك في تحديد الخطة هو شخص متخصصا علميا مربيا يعطيك
مقررات علمية مقرونة بمقررات تربوية وتزكية، فمن تعلم العلم على انه مكتسب
يحقق الشرف والتميز دون إدراك تزكية النفس التي تتعلم هذا العلم قد يقود
بالنفس إلى الطغيان من علمها، لذا من المهم جدا ان يكون واضع الخطة هو معلم
ومربي، فالتربية شرط أساسي وهام جدا، وتذكر قوله تعالى: يتلوا عليهم آياته
ويزكيهم ويعلمهم، فالعلم مقرون بالتزكية من المعلم والمربي، فالمطلوب أن تهتدي
بالعلم وأن تصلح به لا أن تكون متقنا وحسب.
- دوام
الاستهداء بالله سبحانه وتعالى وطلب الفتح منه، واعلم أن جماع الخير هو
الاستعانة بالله سبحانه وتعالى في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه
وسلم، فهو جماع الخير، بل وهو العلم الذي يستحق أن يسمى علما، ولتكن همته فهم
مقاصد الرسول من كلامه وأوامره ونواهيه، فإذا اطمأن قلبه أن هذا هو مقصود
الرسول ومراده تشبث به لا يعدل عنه أبدا فيما بينه وبين الله ولا مع الناس،
وأن يجتهد أن يعتصم في كل باب من أبوب العلم بأصل مأثور عن النبي صلى الله
عليه وسلم، وإذا اشتبه عليه شيء مما اختلف الناس فيه، فليدع بما رواه مسلم عن
عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو اللَّهمَّ ربَّ جبريلَ
وميكائيلَ وإسرافيلَ فاطرَ السَّمواتِ والأرضِ عالِمَ الغيبِ والشَّهادةِ
أنتَ تحكُمُ بينَ عبادِكَ فيما كانوا فيهِ يختلِفونَ اهدِني لما اختُلِفَ
فيهِ منَ الحقِّ بإذنِكَ إنَّكَ تهدي من تشاءُ إلى صِراطٍ مستقيمٍ، وتذكر ما
روي عن رب العزة أنه قال: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم،
وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي، ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم
إنك إذا لمن الضالين، فلا تفصل العلم أبدا عن معنى العبودية والاستهداء والاستصلاح،
وأن العلم مجال للتواضع والإصلاح.
الآثار الحسنة الناتجة من المنهجية
- زيادة اليقين
وحل الإشكالات ووضوح الطريق
- الاستمرار في
العلم وعدم الانقطاع
- وضوح المواد
التي يأخذها على طول الطريق
- احترام العلم
وتقدير أهله والرقي بنظرة الإنسان للعلم
- تقوية الأمة
في وضعها العام
نصيحة: احتسب وقتك الذي تبذله في علمك وعملك لله، وتلذذ أنك تقضى الوقت في عبادة الله.