-->

من عجائب التسبيح

فضل التسبيح

عجائب التسبيح

فلولا أنه كان من المسبحين.. إن من أعظم وأكبر أسباب طيب الخاطر وانشراح الصدر هو المداومة على التسبيح، ويعد التسبيح سائر اليوم أحد أهم عوامل الرضا النفسي والطمأنينة والنجاة من الكثير من الكربات، والناظر في القرءان الكريم يتعجب مما للتسبيح من أثر بالغ على تمكين النفس من الرضا وانشراح الصدر، ولنعبر معا الآن ببعض الآيات المبينة لهذه الصور، وفي مقدمتها قوله تعالى:

فلولا أنه كان من المسبحين، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون.

وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى.

ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما بقولون، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين.

فمن تدبر في تلك الآيات رأى أن التسبيح هو سبب النجاة من الكربات والظلمات، وأن المداومة على التسبيح سائر اليوم من الأسباب الكبرى للرضا، والرضا يعني في الدنيا والآخرة، وكذلك من ضاق صدره وتكالبت عليه الأمور فالخلاص من تلك الضيقة هو بالتسبيح، الذي يداوي تلك الجروح والآلام ويعجل بشفائها.

كل ما يحيط بك يسبح لله

إن من العجيب في أمر التسبيح أن الله أشار أن الكون كله بكل ما فيه يعج بالتسبيح، وأن ما من شيء إلا ويسبح بحمده، ولكن لا نفقه تسبيحهم، ففي القرءان نبحث عن تلك المواضع فنجد أن منها:

ويسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته.

تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم.

وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير.

وليس الأمر مذكور على سبيل المجاز، بل هو تسبيح حقيقي لو سمعنا الله إياه لصعقنا وطارت عقولنا من هول ما سنحياه، ولقد تواردت الأنباء عن النبي والصحابة مما ميزهم الله به من سماع لتلك التسابيح من بعض المخلوقات، وليس هذا إلا أمور خاصة في زمان خاصة لأناس مخصوصين، فعن عبد الله ابن مسعود أنه قال: ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن.

فمن استشعر كل تلك المعاني النابعة من عجائب التسبيح، وتأمل في كل ما يحيط به من جماد وحيوان، من شجر وحجر، وتأمل أن لهذه المخلوقات تسبيحا ومداومة على ذلك، ما كان منه إلا وجوب تدارك ما يحيا فيه الإنسان من شتات وتقصير وبعد وتضييع للأوقات والأعمار، ضياعا فيما لا ينفع ولا يباح، ضياعا لا يكسب فيه تسبيحا ولا تحميدا ولا تعميرا لذلك الوقت بالذكر والصالحات.

مكانة التسبيح في الإسلام

كل المذكور حول التسبيح وعجائبه هنا إنما هو مثال صغير جدا عن حقيقة التسبيح، ولا يتعدى كونه نبذة ولمحة سريعة نحاول من خلالها أن ننوه على مكانة التسبيح في الإسلام، ولا يسعنا في موضوع واحد أن نحيط بكل ما يتعلق بأمر التسبيح من عجائب وفوائد تعود على المسلم في دينه ودنياه، إنما نضعكم على الطريق ونترككم للبحث، وإن تعمقتم في البحث حول هذا الأمر وما ورد من آيات أو أحاديث حول التسبيح وفضله لوجدتم عجائب عظيمة.

ومن أولى ما يعينكم على الجد في هذا العمر أن تعلموا أن عجائب التسبيح لا تقتصر على تلك الأمور وحسب، بل من أكمل نظره فيما للتسبيح من مكانة؛ وعلم أن سبعة سور من القرءان تفتتح بالتسبيح، وعلم أن الصلاة التي هي أعظم شعائر الإسلام في ركوعها وسجودها نحن مأمورون بالتسبيح، وإذا علم أن من أهداف الدعوة التي كان الأنبياء يطمحون في تأديته هو أن يسبح الناس ربهم كثيرا كما جاء على لسان سيدنا موسى عليه السلام: كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا. وأن نجاة يونس عليه السلام كان للتسبيح دور عظيم فيها، وأن الملائكة الذين هم عباد الرحمن الذين لا يسئمون ولا يكفون عن عبادته يسبحون بالليل والنهار لا يفترون، وأن حملة العرش يسبحون بحمد ربهم، بل وأن دعاء أهل الجنة في الجنة هي سبحانك اللهم، من علم كل ذلك وتأمله لم يكن منه إلا أن يدركه الألم والتحسر الكبير على ما فرط وضيع من لحظات ومن أوقات عبثا في أمور توافه ولم يملأ كل تلك الأوقات بالتسبيح الكثير، فأفق ولا تبقى على غفلتك، وسبح بحمد ربك حين تقوم.