-->

التيقن والتثبت من الأخبار

خطبة مكتوبة عن التثبت من الأخبار

التيقن والتثبت من الأخبار

من أهم ما بناه الإسلام في المسلم هو ركن التثبت، إن جاءكم فاسق فتثبتوا!، التثبت: هو ذاك الركن الركين الذي لا يمكن أن تكمل شخصية المسلم ونفسه إلا بها، ومن تعامل بكل ما يسمع، ونقل كل ما يحكي له فكفى به إثما من فعله ذلك.

وحينما يأمرك الإسلام بأن تتجنب الظن أو العمل به، ومن التثبت مما ينقل إليك من غيرك، فهو نفسه يأمرك بأن تتجنب الظنون والأخبار السيئة التي قد تنقلها نفسك إليك، فنفسك هي أولى من يطلب التثبت من أخبارها

ومن المهم أن تعلم أنك إن كان في عقلك مرض يجعلك تتبع عورات إخوانك المسلمين، فإن عقلك المريض هو نفسه من سيوهمك بزلاتهم وهفواتهم حتى لو لم تكن حقيقة، وبينما يحثك الإسلام على تجنب الظن والتماس سبعين عذرا لأمر قد تراه بعينيك ولكن لا تملك اليقين الكافي لتصديقه!.. فأولى بك أن ترى أن مجرد توهمك لأمر سيء عن أخيك المسلم أمر وأضر وأولى بالتخلي عنه والبحث عن مواطن العذر والخير في إخوانك.

فلقد حذر الإسلام من الظن! مجرد الظن في داخلك، فإن ذلك الظن الذي قد لا تبالي به هو أكذب الكذب.. وتخيل أن أفظع ما يمكن أن تعلمه من كذب فإن الظن الذي لا يتخطى حدود نفسك هو في أعلى تلك الدرجات.

سقوط الحدود بالشبهات

لقد أسقط الإسلام بأقل شبهة كل الحدود، حدود الله التي وضعها عز وجل وجعلها عواميد استقرار المجتمع وتماسكه ومرهبات ما يحتمل من خلل وفوضى (وخير دليل هو ما نحياه بسبب عدم إقامة تلك الحدود)، وترى الصحابي النقي يقول: لو وجدت لحية أخي مبللة بالخمر لظننت أنها سكبت عليه!.

وتأمل في قصة الصحابي الذي جاء يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم خيانة زوجته له فيأتيه الرد الصريح المرعب من النبي: البينة أو حد في ظهرك! فإما دليل يقيني على أمرك.. وإما أن تجلد في ظهرك، ولقد حث الإسلام على التماس سبعين عذرا، وكل ذلك فقط لأن يكون المسلم أشد حرصا على التثبت من كل كبيرة وصغيرة تأتيه، وأن يبني كل أحكامه على أرضية من اليقين والثبات الذي لا مجال لأدنى شك فيه.

بل ولقد ذم القرءان الكفار بسبب تلك الصفة الدنية من اتباع الظن!، وما يتبع ذاك الاتباع من حكم بالظن، وحث في نفس الوقت على اجتناب كثير جدا من الظن! لأن بعض الظن فقط إثم، فجعل البعض لخطورة الأمر أولى بالمراعاة من الكثير.

اليقين من علم الجرح والتعديل

إن علم الجرح والتعديل وكيفية التثبت من رواة الاحاديث لهو خير دليل على نظام التثبت والتقين في الإسلام، وهو من أجمل ما يفتخر المسلم به!، ذاك العلم الذي يأتي بسجل عن الراوي بدرجة تجعل علماء الحديث يعلمون هذا الراوي كما يعرفون أبناءهم!، حيث يتم التيقن من كل كبيرة وصغيرة عن ذاك الراوي.. أين عاش؟ وأين مات؟ ما حاله وعمره؟ كان مصاحبا لمن؟ ما هي الدول التي أقام بها!، وكل التفاصيل التي تخص هذا الراوي حتى مماته، ولو غاب عنهم فترة ولو يسيرة من العمر جهلوا حاله بها لضعفوا حديثه بذلك!، بل وحتى حالة السماع منه.. هل هو من حدثك وأخبرك؟ أم سمعت عنه، حتى أنك ترى ذاك العلم قد حفظ لنا سكنات وحركات وحتى سكتات الرسول صلى الله عليه وسلم!.

أضرار الظن وترك التثبت من الأخبار

إن أهمية ركن التثبت والتيقن في الإسلام تنتج عظمتها عندما نرى فداحة الجرائم والخسائر عند فقدانها، فما حادثة الإفك التي قلبت حياة أم المؤمنين لفترة من الزمن رأسا على عقبا إلا من ذاك التداول الذي خرج دون دليل أو يقين ليجعل تلك المسكينة في ذاك الحال الذي يصعب احتماله.

وما نراه اليوم من خراب وسواد عم البيوت فإن عدم التثبت في الأخبار الذي يعد من الأمور الموصلة إلى تلك الحالة لهو خير دليل على أن فقدان ذاك الركن من صفات وشخصيات المسلمين يتبعه خراب وخسران كبير يصل إلى تضارب المجتمع وعموم الخراب والدمار فيه واندثار كل آثار الاستقرار، بل إن عدم التثبت والتيقن قد يصل بالإنسان من مجرد لفظة أو شائعة كاذبة إلى أن يقتل أخ له أو جار أو أن يرتكب من الأمور ما لا يحمد عقباه في الدنيا أو الآخرة.