-->

نصرة المستضعفين

نصرة المظلوم من الله

نصرة المستضعفين

يسير أحد الفقراء في الطريق يوما ما، فإذا به يجد شخصا أشد فقرا في حالة من العري والجوع والتشرد في الشارع بلا مأوى، بكى هذا الفقير لحاله ولم يكن يملك في جيبه سوى مبلغ يمكنه من شراء رغيف خبز يسد جوع هذا المسكين العاري في هذه اللحظة، أسرع الرجل ليشتري له بما يملك رغيف الخبز، وعاد إليه وأعطاه له، ثم تركه وفي نفسه رضا وسرور على ما قدم لهذا المسكين. برأيك هل هذا الرجل الفقير قد قدم المساعدة الحقيقية لهذا الفقير المسكين الذي كانت شدة حالته داعية ليرق له الفقير الأول؟

الجواب لا، الجواب أنه لم يقدم ما يكفي مطالب واحتياجات هذا المسكين الحقيقي، بل تركه في ذله وعوزه، تركه عار سيراوده الجوع بعد قليل من الوقت، ولم يقدم له ما يستحق أن يقال عنه دعم حقيقي، بل وإن شئت فهو لم يقدم له شيء يذكر، هذا مع نظره إلى جليل وقيمة ما قد قدم، فهو قد قدم كل ما يملك أمام نفسه، لكن في واقع الأمر فهو لم يقدم المطلوب والمقدور عليه حقا، ولم يخرج من جعبته أصوب الخير الفياض الذي يمكن ان يقدمه.

اعتراض وتساؤل

سيسأل أحدهم وكيف يقدم له أكثر مما قدم وقد قدم له كل ما يملك؟

وقبل الجواب نشير بأن ما قد قدم الرجل خيرا كثيرا يحمد عليه، ونشجع غيره على أن يفعلوه ابتداء، ولكن كما أشرنا أن هنالك في جعبته من الخير الكثير الذي كان لزاما عليه أن يقدمه.

والسبل كثيرة، فمثلا عليه بأن يبحث عمن يساعده، بأن ينادي المسلمين له، بأن يوقظهم في أن هناك أخ لنا في حاجة شديدة للمساعدة، في حاجة لما يكسوه من عريانه، في حاجة لما يسد جوعه ويكفه عن السؤال، في حاجة لكوخ يأويه من حر الصيف وبرد الشتاء، هنا حينها نقول بأنه قد قدم ما يمكن أن يقدم ويعذر على المزيد، وهنا نقول بأنه يستحق أن يحيا راضيا لما قدم، وسيعلم أن الامر أول مرة لم يكن في الحقيقة مساعدة بأي شيء.

هل فهمتم القصة؟

إذا كان الجواب نعم. إذا فلنأخذكم من هذه القصة الخيالية إلى تلك القصة الواقعية. 

نصرة المستضعفين في الواقع

إخوانكم المستضعفين من أهل الإسلام في كل بقاع العالم هم ذلك الشخص العاري المسكين الذي يحتاج إلى الدعم الحقيقي. وما نقدمه نحن الآن هو ما يقابل ذلك الجنيه الذي اشتري به رغيف الخبز الذي قدمه الرجل الفقير الذي كان بإمكانه أن يحقق الكثير والكثير لنجدة هذا الرجل المسكين. 

لا تظن بأن ما تفعله لإخوانك المستضعفين من بوستات ومشاركات، ومن تعليقات وتغريدات، ومن تقديم دعم مادي لا يدوم أثره كثيرا، وكل ذلك كافي، لا.. بل إن من أولى ما تقدمه لنصرة هؤلاء المستضعفين هو أن تخرج حيز الدعم والمساعدة من داخلك إلى غيرك، قم بالنداء بأعلى صوتك، قم بدعوة جيرانك وأصحابك وكل من يستطيع صوتك أن يصل إليهم، من أن يستيقظوا لنصرة هذا الأخ المسكين الذي هو في أمس الحاجة لبيت آمن يؤويه، وللباس يكسيه، ولمال يكفي حاجته، ولا يكون هذا إلا من مسلم حقيقي يسعى في نصرة أخيه، أما غير ذلك فوالله لا يمكن أن يسمى نصرة حقيقية.

قدراتك الكبرى في نصرة المسلمين

نعم، لا يمكن أن ينكر أحد أن مجرد النشر والتفاعل من الأمور المحمودة، لكن الحراك الحقيقي يكمن في أن توقظ من حولك بأن ينتبهوا لحال إخوانك، بأن تحاور زملاء العمل والدراسة، بأن تبني حركة من الوعي والفهم وتنشره بين المسلمين، بأن تجعل الحراك جماعيا على قدر طافتك، ليكن حراكا أقوى في نصرة المستضعفين من حولك.

لكن أن يكون كل نصيب إخوانك منك هو ضغطة زر تظن بها أنك قد قدمت لهم المطلوب!، فأنت إنما في الحقيقة أشبه بمن يأخذ جرعة من المسكنات التي تريحه لمدة من الوقت، ثم يكررها على فترات متباعدة حتى تزيل عنه الآم الحقيقية التي يجب أن يتألم لها.

وفي الحقيقة، لا يُطلب منك أن تفعل شيئا خارج قدراتك وطاقتك، بل والجميع يعلم حالة العجز والضعف التي أحاطت بالأمة بما كسبت يداها، فنحن هذا الجيل الذي تداعت عليه الأمم، إذ اننا أصيبنا بهذا الداء الذي حذرنا منه نبينا من كره للموت وحب للدنيا، فهلا عالجت نفسك منه؟، وهل تحررت من ذنوبك التي تصر عليها في سرك وعلانيتك لا تتوب منها؟ تلك الذنوب التي كبلتك ومكنت الشيطان منك؟

لن يبخس أحد ثمن ما تقدمه من نشر ومشاركات، لكن في جعبتك من الخير والتأثير الكثير والكثير الذي يمكن أن تقدمه لنصرة إخوانك المستضعفين بحق، ولتعلم أن النصرة الحقيقية تبدأ من الوعي بحال الأمة من حولك، من الوعي بدورك ومسؤوليتك، من التحرر من الدنيا والعمل لها، وإن أردت أن تعلم أكثر فأكثر من النظر والتعلم في كتاب ربك وسنة نبيك .

وبالطبع لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تغفل عن أن النصر كلها بيد الله، وأن الدعاء هو القوة التي لا يعادلها أي قوة أخرى تملكها أنت في وقتك الحالي، فلا تنسى دائما أن تذكر إخوانك بالدعاء في مظان الإجابة.