-->

سفسطة ولا شيء

سفسطة لا تصل إلى شيء

حين أسلم الصحابة والتابعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم... كان إسلامهم واضحًا وبسيطًا؛ عقيدة توحيد أساسية واضحة ومجموعة عبادات وأعمال بسيطة، ثم الأخذ بالأسباب والعمل لتحقيق سعادة الدنيا والآخرة.

حين تجمع الحواريون حول عيسى عليه السلام، كانت عقيدتهم بسيطة وواضحة.

ثم جاء من بعدهم من قرر أن يتخصص ويكون عالمًا متخصصًا في دراسة نقطة أو بضعة نقاط في الدين، ومعه جاء بعض الناس يسأل في تفاصيل التفاصيل، ومعه ظهرت بعض الاختلافات في الآراء؛ اختلافات في الفروع.

الكسب بالفروع

مع الوقت أصبح هذا المتخصص يستمد أهميته واحترام الناس له في المجتمع من التخصص في هذه الفروع والاختلافات. ولكي يحافظ على هذه المكانة، قام بتضخيم أهمية هذه الفروع والتفاصيل.

وبدأت خلافات وصراعات بين من يسمون أنفسهم علماء وخبراء، وأصبحت الصراعات يحركها ليس البحث عن الحقيقة، ولكن يحركها المصالح الشخصية، والحفاظ على مظهره بين الناس ومكانته في المجتمع وما يحققه من مكاسب من خلال هذا المظهر وذلك المركز أو المنصب أو الاحترام والتبجيل.

ثم جاءت من بعدهم أجيال وطلاب؛ أصبح محور حياتهم هو دراسة هذه الفروع والتفاصيل، وبدونها ستتحول حياتهم إلى لا شيء، سيصبحون بلا قيمة، فكان عليهم الاهتمام والتشنج والمبالغة في أهمية التفاصيل، حتى نسي الأتباع الأساس والأصول.

وأصبح عليهم أن يتهموا بالكفر والضلال، أو بعدم العلم والدراية، أو بنقص الدين والإيمان، كل من لا يهتم أو لا يقتنع أو يصدق تفاصيلهم التي أضاعوا فيها عمرهم، أو يستعين برأي مختلف لا يتوافق مع رأيهم!!

تحول الأمر إلى أمر شخصي، ودفاع عن المكانة والمصلحة والغرور الشخصي، وليس دفاعًا عن الدين.

أمثلة على السفسطة

يعني واحد ضيع عمره في دراسة الفارق بين اللاهوت والناسوت في طبيعة المسيح!! هل من الممكن أن تقول له إن هذا موضوع بسيط ولا يهم!!؟؟

يعني واحد عمل الدكتوراه بتاعته في رأي الإمام مالك في سجدة السهو قبل أو بعد التسليم، هل ممكن تقول له بعد ما استثمر عشر سنوات من عمره في الموضوع ده إن ده موضوع بسيط ومش مشكلة؟! ومن الفروع! ☺️😉

تطور السفسطة

أصبحنا نرى مؤسسات كاملة تم بناؤها على تضخيم هذه الفروع، وتستمد قيمتها وتمويلها ووظيفة أعضائها من تقديم أنفسهم على أنهم خبراء في هذه الفروع والتفاصيل، وأنهم الوكلاء الحصريون... ويأمرون الجميع بالرجوع إليهم، ومن لا يطبق رأيهم أو يقتنع برأي مختلف، فهو جاهل مارق فاسد يستحق العقاب، ويتنبؤون له بدخول الجحيم وبئس المصير!

هذه المؤسسات ليست في الأديان فقط، بل أيضًا في من يقدمون أنفسهم وكلاء وشارحين للنظريات والأفكار لفيلسوف معين أو خبير اقتصادي، مثل أتباع ماركس والشيوعية، أو ماكس فيبر، أو جورج واشنطن، أو الآباء المؤسسين لأمريكا، إلخ من المؤسسات التي تقدم نفسها الوكيل الحصري والفهم الوحيد لتفسيرات أقوال ونظريات العظماء!!

هذه المؤسسات الكهنوتية يضيع فيها أعمار وطاقات البشر في مناقشة أشياء لن تفيد البشرية في شيء، وحوارات وسفسطة لا تصل إلى شيء!

ولن تجعل حياة البشر أفضل أو أعمالهم أحسن أو أرواحهم أكثر سعادة وطمأنينة ورضا.

د. خالد عماره