-->

لو كان الفقر رجلا لقتلته

الفقر

لو كان الفقر رجلا لقتلته

عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ:

كَانَ أَبِي يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ " فَكُنْتُ أَقُولُهُنَّ فَقَالَ أَبِي : أَيْ بُنَيَّ عَمَّنْ أَخَذْتَ هَذَا ؟ قُلْتُ : عَنْكَ ، قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُنَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ.

تأثير الفقر على الدين

شيء طبيعي وواضح في دعوة الإسلام.. إياكم والفقر فإن الفقر يهدي إلى الكفر وإن الكفر يهدي إلى العذاب. وهذا الكلام لا يمكن أخذه بشكل حرفي.. وهو مجرد كلام من شخص عامي لا يعتد به اكتر من كونه فكرة تنبيهية تقبل أو ترفض على حد سواء.. لكن الناظر في الحديث هيلاقي موضع الفقر غريب جدا.. بين كفر وعذاب.. ودا أمر بنقابل تطبيقه حرفيا في واقعنا.

يذكر أحد الكرام أنه كان يلقي درس وبيحكي التالي: بينما أنا في زيارة دعوية لإحدى الدول دعاني أحد إخواني في هذه البلدة إلى ليلة إيمانية في بيته أحاضر فيها بعض الأحبة، وأنظر في وجوه الصالحين، ولا بأس في نهايتها من عشاء نغذي به بطوننا بعد ما غذينا أرواحنا.

وحدث أن انتهيت من محاضرتي -وكانت بفضل الله رقراقة موفَّقة- ثم إذ بمن يجلس عن يميني يقول لي: ما أجمل كلماتك أخي خالد!، غير أني لم أستطع أن أكون معك فيها بقلبي وعقلي طوال الوقت، فعقلي لا يكف عن التفكير في كيفية تدبير طعام أولادي، وأجرة سكناهم التي لم يبق على ميعادها إلا القليل.

فالأرواح أخي خالد تتمنى مثل هذه المجالس، لكن تأبى البطون إلا أن تقطع عليها أمانيها، وصاحب العيال متعدد البطون، ولو كانت بطنا واحدة لغلبها بالصبر والصوم، لكنها بطون لا بطن، وأرواح لا روح.

دور الغنى في زيادة الإيمان

في المقابل بنشوف في مجتمعنا أن كثير جدا من رواد المساجد اللي عليهم علامات الخشوع الظاهري من المبادرة للصلاة والراحة والهدوء والسكينة بها (وممكن في بعضهم نقول خشوع فعلي) بيكون اغلبهم حرفيا ناس لها مأمن مادي تستند عليه.. الجانب المادي دا اكسبهم راحة وطمأنينة عن الانشغال بالدنيا فانعكس دا على صلاتهم وعبادتهم.. (ودا لا ينفي وجود الرضا في الفقراء طبعا) 

هل مدح الإسلام الفقر؟

هيجي حد ويقول إن الإسلام مدح في الفقراء واثنى عليهم ووضح إن الفقراء يسبقون الأغنياء في الجنة ولهم كذا وكذا.. فازاي نقول إن الفقر سبب لتفلت الدين وضياعه؟

هنقول أحسنت.. لكن دا كان مديح للفقراء اللي اضطروا إنهم يكونوا فقراء، ومش مدح مطلقا للفقر نفسه. بل ليه ما نقولش إن صبرهم عالفقر ونجاتهم بالدين وهما فقراء كان هو سبب مضاعفة حسناتهم.. وليه ما نقولش إن دا دليل تاني على أن الفقر شيء مستنكر منبوذ تماما في الإسلام لدرجة إنك لو ابتليت به وصبرت عليه ونجيت من فتن الدنيا مع تمكن الفقر منك فأنت بالفعل تستحق الأجور والدرجات العظيمة اللي وردت..

وكما قيل: الصبر على الفقر رتبة لا ينالها إلا الأكابر.

فلما يجي شخص حيوان -معذرة- في تفكيره وغاياته ويقولك اصبر على الفقر، وارض بالفقر، وإن النبي والصحابة كانوا فقراء، وحديث هذا الخبيث حديث مصاغ بطريقة تخليك ترضى بالفقر وتستحسنه فأنت تحذر منه وتعلم أنه جندي من جنود الشيطان وإن كان هو لا يدري.

ولما تعرف إن الفقر له كل الآثار الضارة دي من إزالة الأمن المادي اللي بيصل عند نقطة معينة لدرجة من الشدة قد تساهم في شغلك عن دينك وإضعافه فاعرف إن كل النظم والسياسات اللي بتسعى لإفقارك ليست مجرد مصادفات أو فشل في إدارة الموارد أو يا عيني أزمات اقتصادية حلت بينا.. لكن هو وسيلة وأداة من أدوات الشيطان بيسعى في تنفيذها جنوده من الأوساخ الحكام والأقذار من علماء السلاطين .. فالتطبيع مع كونك فقير هو ضعف واستسلام ونجاح من الشيطان في تنفيذ جانب من جوانب التأثير عليك..

الرد على فساد الأغنياء

هيجي واحد دلوقتي يقول إن في بلاد وناس اغنيا ومع ذلك فهما فاسدين بل وقد يكونوا أشد فسادا من الفقراء..

هنقول ومين قال لحضرتك إن ضروري يحصل النقيض؟ ومين قالك إن عشان الفقر بهذه الدرجة من السوء فالغنى هيكون على العكس؟ ايه العلاقة ؟

الغنى وسيلة من وسائل الأمان والاطمئنان، ولكن مش وسيلة للوقاية من الشيطان، بل الشيطان يا حبيبي لا يدخر جهد في أنه يكسب منك ويطلع بمصلحة، وبيعامل كل واحد على حسب اللي عنده. الشيطان في الحقيقة ممكن نعتبره بسبب تخلف الناس وبعدها عن الدين؛ فهو في الزمن الحالي ممكن نقول -مجازا- إنه أشطر عالم نفس واعي ودارس كل مداخل وصفات وخبايا النفس، وبالتالي يعرف سكة كل واحد وبيعرف يستغل المتاح معاك في صالحه وفي ضربك وإضلالك. فالغنى موضوع تاني. (ومع كونه أشطر عالم نفس، فهو أفشل مؤثر على عباد الله، المتوكلين عليه، والمستعينين به)

وإن كان الغنى ممكن أسهل في أنه يضل الناس ويسلك بهم موارد الهلاك على المستوى الفردي، فالغنى في البلاد الإسلامية على المستوى الاجتماعي خطر على الشيطان وجنده.

لأن المجتمع الفقير طول ما هو مجتمع متخلف وبعيد عن دينه فهو تحت السيطرة، ولو حصل في يوم وزالت الغشاوة والضلال من على عينه فبرده هيكون تحت السيطرة، لأنه مش معاه القوة اللي تخليه يتمكن من السيطرة والتغيير، بينما المجتمع الغني الفاسد لو تم بس إصلاح جزء منه وتمكينهم بما لديهم من موارد وقوة، فوقتها دا خطر كبير على الشيطان وجنوده من الإنس والجن، لأن القوة دي قد تمكن السيطرة لهم.

موازنة بين رفص الفقر والانكباب على الدنيا

حبيب قلبي عشان ممكن تفهم غلط أنا عارف.. دعوة محاربة الفقرة مش دعوة للهث على الدنيا تماما. محاربة الفقر وعدم الرضا به أمر، والعمل والسعي للنيل من الدنيا بأكبر قدر أمر تاني خالص.

هنا بقى اقولك إن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكثير من الصحابة كانوا فقراء ولا يبالون بالدنيا مقدار انملة.

لكن فقرهم كان اختيار منهم، كان فقر -يمكن أشد من فقرنا- لكن فقر نفوسهم تطيق تحمله، فقر بالمزاج مش بسياسات ونظم معينة فرضته عليهم.

بل كان ادامهم كل سبل الغنى والتملك، لكن هنا بقى تحول الأمر لغنى وزهد واحتقار لكل أمور الدنيا.

وبرده دا في الأصل كان مسموح به على مستوى الأفراد (وتاني باختيار كتير جدا من الأفراد دول)، لكن على مستوى الدولة فالإسلام ما ادخرش جهد في الحفاظ على قوة الدولة وغناها.

وكل الكلام المذكور هنا لا يعني إن الفقر شرط أساسي لضعف الدين، وإن الفقر لابد ينتج عنه ضعف إيمان وضلال وكل دا، لكن هو أداة قوية ممكن تساهم في حصول المذكور، لكن الواقع يشهد إن كثير جدا من الفقراء (على المستوى الفردي) من أصحاب الديانة القوية والنفوس الطيبة، بل وقد تجد في بعضهم من الإيمان والعزة ما لا يملكه كل الأغنياء

والهدف الأساسي من الكلام المذكور هو مجرد فكرة ولمحة عن مظهر اجتماعي سائد ومؤثر على فئة كبيرة، خصوصا الشباب اللي ماعدش لاقي وقت لدينه بسبب المتطلبات اللي كسرت ظهره، وعلى الجيل الصاعد اللي ماعدش لاقي أهله بسبب انشغالهم وسعيهم في توفير أسس المعيشة له، ودا كله من أسبابه الأساسية هو الخلل الاجتماعي في المتطلبات اللي تم قرنه بسياسات إفقار وتجويع حققت أكبر استفادة للشيطان وجنده في التأثير على جميع فئات المجتمع من الصغار والكبار. عشان لا يخلط أحد ويتناول الموضوع من جوانب تانية غير مقصودة